وأصبح رمضان من طبق إلى طبق
شهر رمضان مختص بأمور كثيرة وعظيمة تجعل له خصوصية وهو فريضة من فرائض الإسلام قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً”.
قبل قدوم رمضان بأيام وربما بأسابيع تعلن حالة الطوارئ في البيوت والأسواق، ويبدأ تزاحم الجميع على شراء الأغذية والسلع الرمضانية، الضرورية وغير الضرورية، في “تظاهرة استهلاكية” مبالغ فيها، تحول شهر رمضان من شهر للعبادة والصوم والإقلال من الملذات، إلى شهر للتسوق والتخمة والإسراف.
وأشد ما يعجب له الإنسان تلك العلاقة الطردية الدائمة بين شهر رمضان، وبين زيادة الاستهلاك والإنفاق بل قل التبذير والإسراف إن التبذير والإسراف وهوس الشراء يعد خللاً في السلوك يحتاج إلى علاج.
وشهر رمضان في الحقيقة ما هو إلا فرصة لتصحيح ذلك السلوك لو نظرنا إلى شهر رمضان نظرة قائمة على الهدي النبوي الشريف لأدركنا أنه يجمع بين النظرة الدينية للشهر والمتضمنة أيضا للنظرة الاقتصادية بدعوته إلى التخفف قدر المستطاع من الأكل والشرب والإقبال على الدنيا بوجه عام.
هذا بالإضافة إلى أن نظرة الإسلام للمسلم في مجال الإنفاق هي نظرة الكفاية لا التبذير والإسراف ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
مقاصد الصيام استفراغ المواد الفاسدة في المعدة بتقليل الطعام، وكيف يتم ذلك لمن أسرف في طعامه وشرابه، وبذَّر في مأكله؟! ناهيك عن من أتعب أهله بتكليف صنع كثير من الأطعمة والأشربة حتى أشغلهم عن العبادة، ولو اقتصر على الضروري لوجد أهله وقتاً واسعاً للتزود من طاعة الله عزَّ وجلَّ .
المنهج النبوي في طريقة تناول الطعام :
قالَ رَسُولَ اللَّه ﷺ : ( ما ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ).
المنهج النبوي في طريقة تناول الطعام هو الذي ينصح به علماء التغذية في الغرب الآن؛ فقد ثبت أن كثرة الأكل وملء المعدة بالطعام يجعلها تتمدد فتضغط على الحجاب الحاجز الفاصل بين الجهازين الهضمي والتنفسي فيقل الفراغ المتاح للرئتين فلا تستطيعان التمدد للتنفس كما ينبغي، فيسبب ذلك ضيق النفس.
فقد بينت الدراسات العلمية أن الأفراد الذين يتناولون طعامهم في شهر رمضان باعتدال وحسن اختيار تنخفض عندهم نسبة الكولسترول والدهون والسكر في الدم، بالإضافة إلى إراحة الجهاز الهضمي وتحسنه في العديد من الجوانب الصحية، ولكن للأسف ما يحدث هو العكس؛ حيث نجد أن ملء البطون والإسراف في تناول ما لذ وطاب من كل أنواع الحلويات والأكلات الدسمة في هذا الشهر أدى إلى حدوث العديد من الاضطرابات الهضمية بين الناس، والدليل على ذلك معاناة الكثيرين من زيادة الوزن خلال رمضان وبعده بسبب تناولهم ما يفوق احتياجاتهم الحقيقية.
أيضا من الظواهر والأخطاء التي يرتكبها البعض ترك السحور؛ فكثير منهم لا يتسحرون بالرغم من ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في السحور؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: “تسحروا فإن في السحور بركة”، كما أن البعض يعجل السحور خلافا للسنة المطهرة التي أمرت بتأخيره ما لم يخش طلوع الفجر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم:( لايزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر، وأخروا السحور).
و أخيرا نختم بهذا الحديث لنبي صلى الله عليه و سلم لندرك حجم الخسارة التي نخسرها إن لم نستغل هذا الشهر.
صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ ، فقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك ، فقال : أتاني جبريلُ ، فقال : رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين .
استقيموا يرحمكم الله و لا تخسروا هذا الشهر فإنه يأتي مرة واحدة بالعام،و قولوا لعله آخر رمضان.
تعليقات
إرسال تعليق